عرفت الأمم المتحدة الأمن الغذائي عام 1974، في مؤتمر الأغذية العالمي، على أنه ” توفر الغذاء الكافي للأفراد خلال كل الأوقات”، وبحسب تعريفها فإن سوريا تواجه أزمة كبيرة في انعدام الأمن الغذائي، وتدهور مستمر في مستوى المعيشة لدى معظم العوائل، لا سيما النازحين في المخيمات بمناطق متفرقة من سورية.
بدأت مشكلة الحصول على الغذاء في سوريا منذ تصاعد حملات النزوح والتهجير، التي عانت منها معظم القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والصحية، نتيجة القصف والدمار الذي استهدف البنى التحتية والمواد الأولية، حيث انهارت المنظومة الصحية، وتوقفت الصناعة ودمرت المصانع، واحترقت بعض الأراضي ونزح عنها أصحابها.
ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا بنسبة 60٪ بزيادة قدرها ٤,٥ مليون شخص، وزادت نسبة البطالة وتضاعفت معدلات الهجرة بحثا عن سبل للحياة، وتوقفت المدارس وزاد عدد المتسربين، إضافة إلى تضاؤل الثروة الحيوانية بسبب عدم توفر المكان وكثرة النزوح والترحال، مما زاد الفجوة بين المتوفر والاحتياج بشكل مخيف وكبير جداً، وتضاءلت فرص العمل، ووقف الشباب والكثير من الأسر عاجزين أمام متطلبات الحياة اليومية للبقاء على قيد الحياة.
استمرت ظروف الاقتصاد في التدهور وازدادت سوءاً، فانخفضت قيمة العملة 70 ضعفاً، وارتفعت الأسعار، وشكلت عمليات النزوح الجماعي المقترنة بعدم ملاءمة مواقع النازحين والظروف المعيشية القاسية، خاصة خلال فصل الشتاء، مصدر قلق كبير للنازحين، فحسب الاحصائيات الأخيرة، يعيش ما يقارب من ١,٧ مليون شخص في ١،٤٠١ موقعاً للنازحين داخلياً في شمال غرب سوريا منذ أكثر من عشر سنوات
وأظهرت إحصائيات لبرنامج الأغذية العالمي أن ١٢,٤ مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، بينهم ١,٣ مليون شخص يعانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد، أي ما يقارب ٦٠٪ من إجمالي السكان، وهي أسوأ حالة أمن غذائي شهدتها سوريا، مقارنة بعام 2020 فقد كان يعاني ٩,٣ مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
تدخلت المنظمات الإنسانية المحلية والأممية عبر برامج متعددة لتوفير الأمن الغذائي، قدمت المساعدات الإنسانية، ووزعت القسائم النقدية، قدمت الغذاء وقامت بمشاريع غذائية، للحد من الفقر في المجتمعات المتضررة لجميع الأشخاص المستضعفين وبناء المرونة الاسرية عبر تسهيل وصول الغذاء لمحتاجيه بصورة منتظمة وتعزيز قدرتهم للحصول على مورد مالي منتظم.
جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية كانت من السباقين للاستجابة، قامت بالعديد من المشاريع والبرامج الإغاثية والتنموية، فدعمت أربعة آلاف مربي لتعزيز الثروة الحيوانية وأكثر من ٥٠٠ طن اعلاف و١٢٠ ألف خدمة بيطرية، ووزعت أكثر من 2.4 مليون سلة غذائية، وأكثر من 14 مليون رغيف خبز، إضافة لدعم زراعة خمسمئة هكتار سنوياً لأكثر من 15 ألف مستفيد.
ساهمت البرامج والمشاريع المنفذة من المنظمات الإنسانية مجتمعة بمنع الوضع من الانهيار وخففت من المعاناة، لكنها لم تستطيع من رأب الفجوة، فقد خسرت الأسر في الشمال أرضها وبيوتها، وباع المزارعون المواشي لفقدهم أرضهم، كما تركوا مصانعهم ومهنهم بعد فقد رأس المال، وأصبح المصدر الوحيد لدخل معظم العائلات هي المساعدات الإنسانية.
أثرت الحرب الروسية على أوكرانيا على الأمن الغذائي العالمي ولا سيما سوريا، فقد أعلن برنامج الأغذية العالمي تخفيض كميات المواد الغذائية المقدمة عبر سلل المساعدات الإنسانية للنازحينً في شمال غرب سوريا بدءا ً من تشرين الأول المقبل، وبمقدار تخفيض يقدر ب ٣٠٩ سعرات حرارية من المواد الغذائية، والذي يعتبر التخفيض الثالث من نوعه، بشكل لا يتناسب مع حاجة معظم عوائل النازحين، لا سيما مع وجود الكوليرا وخطر انتشارها.
ومن المتوقع حسب العاملون بالمجال الإنساني، في حال عدم تجديد قرار مجلس الأمن الدولي بعد يوليو ٢٠٢٢، ازدياد الوضع الإنساني سوءاً في شمال غرب سوريا، مما يؤدي إلى تفاقم الاحتياجات الملحة الحالية بعد قطع القناة الأساسية لنقل المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، وإيقاف الدعم عن ٢,٦ مليون شخص محتاج اي (٥٢٠,٠٠٠ أسرة)، تاركاً فجوة تبلغ ٨١ ٪ من إجمالي الناس المحتاجين الذي يعانون من انعدام الأمن الغذائي في شمال غرب سوريا.
تسعى جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية مع شركائها بتعزيز الأمن الغذائي من خلال برامج التعافي المبكر ومشاريع تنموية مستدامة، لبناء المرونة الأسرية، عبر تسهيل وصول الغذاء لمحتاجيه بصورة منتظمة، وتعزيز قدرتهم للحصول على مورد دخل ثابت عن طريق دعم مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني وسبل العيش المستدامة، بالإضافة الى رفع مستوى التغذية وتجنيب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهر من تعرضهم لسوء التغذية، عبر تقديم الأطعمة المغذية المتخصصة لهم.