الاعتماد على الذات في مواجهة التحديات والتبعات النفسية والاجتماعية للعيش في مخيمات النزوح
الاعتماد على الذات في مواجهة التحديات والتبعات
النفسية والاجتماعية للعيش في مخيمات النزوح
(الاعتماد على الذات في القدرة على التكيف والصمود في مخيمات النزوح)
كيف يواجه الأفراد الذين يعيشون في مخيمات النزوح تحديات حياتهم؟ وماهي التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجههم في مخيمات النزوح؟ وهل يمكن الاعتماد على الذات في عملية التكيف للعيش في المخيمات؟ وما هي استراتيجيات الاعتماد على الذات في التكيف النفسي والاجتماعي؟
دراسة حالة: التغلب على التحديات النفسية والاجتماعية في مخيمات النزوح، والاعتماد على الذات في بناء القدرة على الصمود.
الباحثان
دجانة بارودي، محمد حميدي
المقدمة:
تعتبر مخيمات النزوح بيئة معقدة وتحمل تحديات نفسية واجتماعية عديدة للأشخاص الذين يعيشون فيها. يجد النازحون أنفسهم في مواجهة تغييرات جذرية في حياتهم، حيث يفقدون مقدرتهم على العيش في مجتمعهم الأصلي ويجدون أنفسهم في بيئة غريبة ومجهولة. ومضطرين لمواجهة تحديات تتطلب منهم الاعتماد على الذات والقدرة على التكيف والعيش في ظروف صعبة، ومن أجل مواجهة هذه التحديات والمعوقات، يصبح الاعتماد على الذات للعيش في المخيمات أمراً حيوياً وضرورياً لهم. الاعتماد على الذات يعني أن يكون الفرد قادراً على تلبية احتياجاته وتطلعاته وتحقيق رغباته بالرغم من الصعوبات والتحديات المحيطة به. بينما التكيف يعني القدرة على التعامل مع المواقف الجديدة والمحافظة على القدرة على الاستمرار والتطور[1]. يشير أيضاً التكيف في مخيمات النزوح بشكل عام، إلى الطرق التي يتكيف بها الأشخاص الذين يعيشون في هذه المخيمات ويستجيبون لبيئتهم وظروفهم الجديدة. إنها تنطوي على القدرة الفردية والجماعية للسكان النازحين على القدرة على التكيف والتعافي في علاقاتهم مع البيئة الجديدة ومع بعضهم البعض. ويشمل الاعتماد على الذات والقدرة على التكيف أيضاً عملية التعافي من الخسائر الفادحة والاضطرابات في العلاقات الاجتماعية، ومحدودية الوصول إلى التعليم، والضغط المادي، والجوانب المختلفة من الحياة الاجتماعية والثقافية والبيئية لدى السكان النازحون. بالإضافة إلى ذلك، هناك توجه لإشراك النازحين ليصبحوا قادرين على الإدارة الذاتية في إدارة المخيمات التي يقيمون فيها، مع التركيز على المرونة وريادة الأعمال[2].
تشمل التحديات النفسية في مخيمات النزوح عدة عوامل، مثل فقدان الأمان والاستقرار وانقطاع العلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى الضغوط النفسية والصعوبات المتعلقة بتغيير الروتين اليومي وفقدان الهوية والجهد المستمر للتكيف مع الأوضاع المحيطة. تمثل مخيمات النزوح حول العالم واقعاً صعباً يواجهه الملايين من الأشخاص الذين تم تهجيرهم بسبب النزاعات المسلحة، والكوارث الطبيعية، أو أسباب أخرى. حيث تجسد مخيمات النزوح بيئة فُرضت على الأفراد بدون اختيار، وتحمل تأثيرات نفسية عميقة. يتعرض النازحون في المخيمات لفقدان المألوف والأمان الذي كانوا يعيشونه في منازلهم الأصلية. يشعر الكثيرون منهم بالحزن، والقلق، والخوف نتيجة فقدان الروابط الاجتماعية التي يعتمدون عليها. ويصبح على هؤلاء الأفراد ضرورة الاعتماد على قدراتهم الشخصية والتكيف مع الأوضاع الجديدة للتغلب على التحديات. حيث تحتاج مهارات الاعتماد على الذات والتكيف إلى تطوير وتعزيز، ويجب على النازحين تعلم كيفية التغلب على الصعوبات والتكيف مع الظروف المتغيرة. يمكن للتعليم والتدريب أن يلعبا دوراً حاسماً في تمكين الأفراد وتعزيز قدراتهم على مواجهة التحديات بفعالية. حيث تتطلب هذه القضية أيضاً توجيه الضوء نحو الدور الاجتماعي الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية في دعم النازحين وتقديم المساعدة النفسية والاجتماعية لهم.
يجب أن تكون هناك جهود مشتركة لتوفير الدعم والموارد للأفراد الذين يواجهون تحديات النزوح والعيش في مخيمات النزوح. وفي هذا المقال، سنسلط الضوء على أهمية الاعتماد على الذات في مواجهة التحديات والتبعات النفسية والاجتماعية والقدرة على التكيف للعيش في مخيمات النزوح، وسنبحث في الأدوات والاستراتيجيات التي يمكن للأفراد والمجتمع الدولي اعتمادها لمساعدة هؤلاء الأشخاص على التأقلم والتكيف في هذه الظروف الصعبة.
تأثير النزوح على الصحة النفسية والحياة الاجتماعية
العيش في مخيمات النزوح له تأثير كبير على الصحة النفسية. حيث يتعرض الأفراد النازحون لخطر متزايد للإصابة بالصدمة وتطور اضطراب ما بعد الصدمة. كما ينتشر الاكتئاب والقلق بين سكان هذه المخيمات. وبطبيعة الحال، فإن الأطفال والمراهقون معرضون بشكل خاص للآثار النفسية للنزوح أكثر من غيرهم. وقد يعانون من ضائقة عاطفية، ومشاكل سلوكية، وضعف في النمو. علاوة
على ذلك، لا يمكن التغاضي عن العواقب الاجتماعية للعيش في مخيمات النزوح. كالتهميش والتمييز، حيث يفتقر الأفراد إلى الموارد والدعم اللازمين للاندماج في مجتمع جديد. قد تكون القدرة على التكيف مع الحياة في مخيمات النزوح أمراً متعباً، مما يؤدي إلى مزيد من العزلة والتوتر الاجتماعي[3], [4]. ولمواجهة هذه التحديات، يعتمد الأفراد في مخيمات النزوح على آليات مختلفة. تلعب مجموعات الدعم والاستشارة دوراً حاسماً في بناء المرونة وتسهيل الصحة النفسية. تساعد المشاركة في الأنشطة المجتمعية على تعزيز الشعور بالانتماء والتواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، يساهم تطوير المهارات واستكشاف فرص ريادة الأعمال في الاعتماد على الذات والتمكين. وبشكل عام، تتطلب معالجة الصحة النفسية والعواقب الاجتماعية في مخيمات النزوح تدخلات شاملة. يعد تعزيز برامج الصحة النفسية المجتمعية، وتمكين الأفراد من خلال التدخل النفسي المناسب لهم، وإقامة شراكات بين المنظمات الإنسانية ومقدمي الصحة النفسية المحليين، من الاستراتيجيات الفعالة لتحسين رفاهية أولئك الذين يعيشون في مخيمات النزوح. بالإضافة إلى ذلك، يجب معالجة التأثير بعيد المدى، والاحتياجات الخاصة للفئات السكانية الضعيفة، وتغيير السياسات لإعطاء الأولوية للصحة النفسية في الاستجابات الإنسانية لضمان مستقبل أكثر إشراقاً للأفراد النازحين.
التحديات التي تواجه النازحين في مخيمات النزوح
1 – التحديات النفسية:
يمكن أن يؤدي العيش في مخيمات النزوح إلى العديد من تحديات الصحة النفسية وعواقب نفسية خطيرة على النازحين. إن تجربة النزوح بحد ذاتها مؤلمة، وتؤدي إلى مواجهة الأفراد لمشاكل الصحة النفسية مثل الصدمات النفسية وضغوط ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق والخوف والفقد. وقد تتفاقم هذه التحديات بسبب الظروف الصعبة للحياة في المخيم. ومع ذلك، يقوم الأفراد في مخيمات النزوح أيضاً بتطوير استراتيجيات اعتماد على الذات وقدرة على التكيف للتغلب على هذه التحديات. إن بناء القدرة على الصمود، والحصول على خدمات ودعم الصحة النفسية، وتطوير الشبكات المجتمعية هي بعض الاستراتيجيات التي يستخدمها الأفراد للتكيف والتعامل مع هذه الظروف. بالإضافة إلى ذلك، يلعب الاعتماد على الذات دوراً مهماً في تمكين الأفراد من مواجهة هذه العقبات. حيث يسعى النازحون إلى الاعتماد على الذات من خلال الانخراط في بناء المهارات والتدريب المهني، واغتنام فرص توليد الدخل، والحصول على التعليم، تعتبر من العوامل الرئيسية في مساعدة الأفراد للاعتماد على أنفسهم والعمل من أجل مستقبل أفضل لهم[5].
2 – التحديات الاجتماعية:
يمكن أن يشكل العيش في مخيمات النزوح العديد من التحديات والعواقب الاجتماعية الكبيرة على الأفراد والمجتمعات. وتتمثل هذه التحديات في[5]:
· نقص الدعم الاجتماعي:
يلعب الدعم الاجتماعي في مخيمات النازحين دوراً حاسماً في رفاهيتهم وصحتهم النفسية[5]. حيث يعد الافتقار إلى الدعم الاجتماعي أحد هذه التحديات التي يواجهها الأفراد في مخيمات النزوح. يعاني النازحون في كثير من الأحيان من نقص الدعم الاجتماعي، مما يزيد من تفاقم مشاعر الوحدة والعزلة لديهم، مما يؤدي إلى الشعور بالانفصال والوحدة وفقدان الدعم الاجتماعي. ويكافحون من أجل تكوين علاقات جديدة. كما أن غياب شبكة دعم موثوقة يعيق قدرتهم على التعامل مع مشكلات الصحة النفسية الناتجة عن النزوح. وللتغلب على هذا التحدي، يحتاج الأفراد إيجاد طرق للتكيف والاعتماد على أنفسهم، ويحدث ذلك
من خلال التركيز على بناء علاقات جديدة، والحصول على خدمات ودعم الصحة النفسية، وتطوير الشبكات المجتمعية والروابط الاجتماعية، يمكن لأولئك الذين يعيشون في مخيمات النزوح خلق شعور بالاستقرار والدعم لأنفسهم. ومن خلال هذه الاستراتيجيات، يعزز الأفراد أيضاً الشعور بالاعتماد على الذات، وتمكين أنفسهم من التعامل مع ظروفهم والعمل من أجل مستقبل أفضل لهم. بشكل عام، تعد تدخلات الدعم الاجتماعي ومعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية من الاستراتيجيات المهمة في تعزيز الرفاه والصحة النفسية للأفراد في مخيمات النزوح.
· العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة:
غالباً ما يؤدي العيش في مخيمات النزوح إلى العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة. وقد تكون هذه العزلة نتيجة للتمييز والتهميش داخل المخيم. ومع ذلك، فإن الأفراد في مخيمات النزوح يتمتعون بالمرونة ويجدون طرقاً مختلفة للتكيف مع هذه التحديات. في عام 2014، وجدت دراسة مكونة من 150 مقابلة مع اللاجئين السوريين في لبنان والأردن أن العزلة والركود كانا عائقاً مشتركاً أمام التنمية الاجتماعية، وشعر اللاجئون أن وضعهم الحالي البيئي يعيق أي فرصة للتقدم أو النمو الشخصي[6]. يعد بناء آليات الاعتماد على الذات والمرونة والتكيف إحدى الاستراتيجيات التي تساعد الأفراد على التعامل مع العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، وتطوير الشبكات المجتمعية والعلاقات الاجتماعية للتخفيف من تأثير نزوحهم.
· التمييز والتهميش:
يؤدي التمييز والتهميش إلى تفاقم تحديات النازحين، مما يعرضهم للتحيز والإقصاء على أساس وضعهم كنازحين. وهو قضية منتشرة يواجهها الأفراد الذين يعيشون في مخيمات النزوح بشكل عام. خاصة عندما يتعلق الأمر بالحصول على التدريب والتعليم اللازمين. حيث يكون الأفراد النازحين غير قادرين على متابعة التعليم الرسمي أو التدريب المهني بسبب محدودية الموارد والفرص داخل المخيمات. وهذا النقص في التدريب والفرص التعليمية يزيد من تهميشهم ويحد من قدرتهم على إعادة بناء حياتهم. ونتيجة لذلك، يواجه العديد من الأفراد في مخيمات النزوح واقعاً صارخاً من البطالة والاعتماد على المساعدات الخارجية. وهذا يخلق حلقة من الضعف، حيث لا يتمكن الأفراد من اكتساب المهارات والمعرفة اللازمة للاعتماد على أنفسهم. ولذلك فإن معالجة مسألة التمييز والتهميش أمر بالغ الأهمية في تمكين النازحين وكسر هذه الحلقة. ويمكن لبرامج التدريب داخل مخيمات النازحين أن تلعب دوراً حاسماً في مواجهة هذه التحديات. من خلال توفير الوصول إلى برامج التدريب المهني والمبادرات التعليمية داخل المخيمات، وخدمات التوظيف، يمكن للأفراد تعزيز قابليتهم للتوظيف ويصبحوا أكثر اعتماداً على أنفسهم. إن تزويد الأفراد بالمهارات اللازمة لا يعزز استقلالهم المالي فحسب، بل يعزز الشعور لديهم بالتمكين والقوة واستعادة الشعور بالكرامة والهدف. ويمكن لهذه البرامج التدريبية أيضاً أن تساعد الأفراد على إعادة الاندماج في المجتمع والمساهمة في إعادة بناء مجتمعاتهم بمجرد أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، والتخفيف من التهميش الذي يعاني منه الأفراد في المخيمات، وتعزيز قدرتهم على الصمود.
3 – تحديات السكن:
أحد التحديات الرئيسية للأفراد في مخيمات النزوح هو ظروف السكن غير الملائمة. غالباً ما تكون المخيمات مكتظة وسيئة التجهيز وتفتقر إلى المرافق الأساسية. وهذا يؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية الجسدية والنفسية. وتساهم مرافق الصرف الصحي غير الكافية ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة في انتشار الأمراض، في حين تزيد مساحات المعيشة الضيقة من خطر وقوع الحوادث والإصابات[7]. علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى الخصوصية والمساحة الشخصية في مخيمات النزوح يمكن أن يؤثر سلباً على
الصحة النفسية للنازحين، وخصوصا عند العيش في مثل هذه الظروف لفترة طويلة فإنه يؤدي إلى الشعور بالعجز واليأس. ومن الضروري معالجة تحديات الإسكان في مخيمات النازحين لضمان الرفاهية العامة للأفراد الذين يعيشون فيها[8], [9].
خطر الإصابة بالصدمات النفسية واضطراب ما بعد الصدمة
تعد زيادة خطر الإصابة بالصدمات النفسية واضطراب ما بعد الصدمة مصدر قلق وتحدي كبير للأفراد الذين يعيشون في مخيمات النزوح. ساهمت عوامل مثل التعرض للصدمات وحالة النزوح في ظهور أعراض الصحة النفسية. قد يكون الأفراد في مخيمات النزوح قد تعرضوا لأحداث مؤلمة، مثل النزوح القسري وفقدان المنزل والعنف أو فقدان أسرهم، والتي يمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد على صحتهم النفسية[10]. يظهر اضطراب ما بعد الصدمة من خلال أعراض مثل ذكريات الماضي والكوابيس واليقظة المفرطة، مما يزيد من تفاقم الظروف المعيشية الصعبة بالفعل. تعد معالجة الصدمات وتقديم الدعم لأولئك الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أمراً مهماً في مساعدة الأفراد في مخيمات النزوح على إعادة بناء حياتهم واستعادة الشعور بالاستقرار. ويؤكد هذا الخطر المتزايد للصدمة واضطرابات ما بعد الصدمة الحاجة الملحة إلى دعم شامل للصحة النفسية داخل هذه المخيمات لمعالجة الآثار الطويلة الأمد للنزوح على رفاهية الأفراد. ويتعرض هؤلاء الأفراد للعنف والصراع والتهديد المستمر بالخطر، مما يزيد من تفاقم خطر تعرضهم للضيق النفسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن محدودية الوصول إلى الموارد، بما في ذلك خدمات ودعم الصحة النفسية، تعيق تحديد وعلاج الأعراض المرتبطة بالصدمة.
تحديات الاكتئاب والقلق في مخيمات النزوح
يمكن أن يكون للعيش في مخيمات النزوح تأثير عميق على الصحة النفسية للأفراد. أظهرت الدراسات أن معدل انتشار أعراض اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب بين الأفراد النازحين مرتفع[11]. يعد الاكتئاب والقلق من التحديات النفسية الشائعة التي يعاني منها سكان هذه المخيمات. إن فقدان المنزل والمجتمع والانفصال عن الأحبة ومحدودية الوصول إلى الموارد الأساسية، وعدم اليقين بشأن المستقبل، يمكن أن يؤدي إلى مشاعر اليأس وتطور مشكلات الصحة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي عدم الوصول إلى الدعم المناسب للصحة النفسية إلى تفاقم هذه المشكلات. لا يؤثر الاكتئاب والقلق على رفاهية الفرد فحسب، بل يعيق قدرته على التكيف والمشاركة في الأنشطة الإنتاجية داخل المخيم. ومن أجل التغلب على هذه التحديات، يجب على الأفراد الاعتماد على الذات من خلال تطوير آليات المرونة والتكيف. يمكن أن يشمل ذلك البحث عن خدمات ودعم الصحة النفسية المتاحة، بالإضافة إلى بناء شبكات مجتمعية وروابط اجتماعية جديدة. ومن خلال تعزيز الاعتماد على الذات والاستفادة من فرص بناء المهارات، يمكن للأفراد تمكين أنفسهم من أجل مستقبل أفضل، على الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهونها.
استراتيجيات الاعتماد على الذات في التكيف النفسي والاجتماعي داخل مخيمات النازحين
· تعزيز الصحة النفسية والاجتماعية:
نظراً للتحديات النفسية والاجتماعية الكبيرة التي يواجهها الأفراد في مخيمات النزوح، فمن الضروري إعطاء الأولوية لخدمات دعم الصحة النفسية والتدخلات المجتمعية داخل المخيم. إن توفير الوصول إلى متخصصي الصحة النفسية وخدمات الاستشارة والدعم النفسي والاجتماعي يمكن أن يساعد الأفراد على التعامل مع الصدمات والتوتر وقضايا الصحة النفسية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنشاء مساحات آمنة للأنشطة الاجتماعية والمشاركة المجتمعية يمكن أن يعزز الشعور بالانتماء والتواصل.
· استراتيجيات المواجهة:
يمكن للأفراد الذين يعيشون في مخيمات النزوح استخدام استراتيجيات الاعتماد على الذات والتكيف المختلفة للتعامل مع التحديات التي يواجهونها. يمكن أن يساعد الانخراط في ممارسات الرعاية الذاتية، مثل ممارسة الرياضة وممارسة اليقظة الذهنية والحفاظ على نظام غذائي صحي، في تخفيف التوتر وتعزيز الصحة النفسية. إن طلب الدعم العاطفي من الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم يمكن أن يوفر مصدراً تشتد الحاجة إليه للراحة والاستقرار. إن ممارسة الأنشطة الترفيهية والهوايات يمكن أن تكون بمثابة إلهاء وتوفر لحظات من الفرح والراحة في الظروف الصعبة.
· بناء المرونة:
تلعب القدرة على الصمود دوراً حاسماً في الاعتماد على الذات والقدرة على التكيف مع حياة مخيمات النزوح. ويشير إلى قدرة الفرد على التعافي من الشدائد والحفاظ على الصحة النفسية في المواقف الصعبة. إن المرونة هي نتيجة تعامل الفرد مع بيئة أو موارد محلية أو شبكة اجتماعية ومن خلالها يمكن للفرد من التكيف ضد الشدائد. وهي ليست الهدف، إنها الوسيلة لتحقيق نتائج وظيفية مثل الصحة النفسية المستدامة[12]. يتضمن بناء المرونة تطوير آليات الاعتماد على الذات والتكيف، وتحديد أهداف واقعية، وطلب المساعدة المهنية عند الحاجة. يمكن لممارسات اليقظة الذهنية، مثل تمارين التأمل والتنفس، أن تساعد الأفراد على تنمية المرونة وإدارة التوتر بشكل فعال. من المهم أن نتذكر أن المرونة ليست سمة ثابتة ولكن يمكن تطويرها وتعزيزها بمرور الوقت[2], [13].
· تطوير الشبكات المجتمعية:
يعد تطوير الشبكات المجتمعية في مخيمات النزوح ومراكز الصحة النفسية أمراً مهماً لمعالجة عبء الصحة النفسية للمجتمعات النازحة[14]. إن بناء العلاقات الاجتماعية وشبكات الدعم داخل مخيم النازحين يمكن أن يساهم بشكل كبير في رفاهية الأفراد. حيث تعتبر تدخلات الصحة النفسية المجتمعية والدعم النفسي الاجتماعي حيوية في هذا الصدد، حيث تقدم فلسفة الصحة النفسية المجتمعية في أفريقيا رؤى قيمة لتنمية الموارد المحدودة والمتاحة في معالجة الصحة النفسية في أماكن النزوح. وتكشف أبحاث الشبكات الاجتماعية التي أجريت في مشروع الصحة النفسية في مخيم ناكيفالي أن المشاركين في وكالة المساعدة الذاتية يشكلون مجتمعاً مشتركاً ويبنون شبكات اجتماعية تُعزز من تواصلهم، والتي يمكن أن تساهم بدورها في تطوير وتعزيز دعم الأقران بشكل كبير[15]. التواصل مع الآخرين الذين يتشاركون تجارب مماثلة يمكن أن يوفر شعوراً بالانتماء والتفاهم. يمكن للمشاركة في الأنشطة المجتمعية، مثل المناقشات الجماعية أو جلسات تبادل المهارات أو الأحداث الثقافية، أن تعزز الشعور بالانتماء للمجتمع والدعم. إن تشكيل مجموعات دعم حيث يمكن للأفراد مشاركة تحدياتهم، وتبادل الموارد، وتقديم الدعم العاطفي، يمكن أن يخلق شبكة من المساعدة والتضامن والمرونة. وعلى الرغم من نقص الموارد، قام النازحون بالاعتماد على الذات من خلال وضع تقنيات لإدارة شؤونهم والموارد المتاحة لديهم، وإيجاد طرق مبتكرة لتلبية احتياجاتهم، ودعم بعضهم البعض. وأظهرت الأبحاث كيف يمكن للسكان النازحين أن يكونوا جهات فاعلة نشطة في تغييرهم وتطويرهم إذا تم توفير الدعم الإداري الأساسي لهم. وعلى سبيل المثال، إن إشراك النازحين في إدارة المخيمات يمكن أن يقلل من الاعتماد على المساعدات الإنسانية على المدى الطويل[13]. على الرغم من هذه التحديات، أظهر استخدام أساليب الشبكات المجتمعية دوراً كبيراً في بناء القدرات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي وأعطى نتائج واعدة في تحسين نتائج الصحة النفسية وتعزيز مرونة المجتمع.
تعزيز الاعتماد على الذات ومعالجة تحديات السكن
تتم عملية معالجة تحديات السكن وتعزيز الاعتماد على الذات من قبل النازحين من خلال مراعاة الأمور التالية:
· تعزيز الاعتماد على الذات:
يعد الاعتماد على الذات جانباً أساسياً من جوانب الحياة في مخيمات النزوح. ويشير إلى قدرة الأفراد على تلبية احتياجاتهم الأساسية، واتخاذ قرارات مستنيرة، والمشاركة بنشاط في الأنشطة التي تساهم في رفاهيتهم. ويتضمن تعزيز الاعتماد على الذات توفير برامج التدريب المهني والتعليم وبناء المهارات لتزويد الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لدعم أنفسهم. ويمكن أن يشمل ذلك التدريب على المهن وريادة الأعمال والزراعة، وتمكين الأفراد من توليد الدخل وتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي.
الاعتماد على الذات أمراً بالغ الأهمية للنازحين داخل المخيمات لأنه يسمح لهم باستعادة السيطرة على حياتهم ويقلل من اعتمادهم على المساعدات الخارجية. تهدف برامج الاعتماد على الذات إلى تمكين اللاجئين من خلال توفير الفرص لهم لتطوير مهاراتهم والحصول على التعليم والمشاركة في الأنشطة المدرة للدخل. ومع ذلك، فإن نجاح برامج الاعتماد على الذات يمكن أن يتأثر بعوامل مختلفة. أحد العوامل المهمة هو توافر الموارد والدعم داخل المخيم. يمكن أن تؤدي الموارد المحدودة والبنية التحتية غير الكافية إلى إعاقة تنفيذ برامج الاعتماد على الذات والحد من الفرص المتاحة للاجئين للمشاركة في الأنشطة المدرة للدخل. بالإضافة إلى ذلك، يلعب مستوى الدعم المقدم من البلدان المساعدة والمنظمات الدولية دوراً حاسماً في نجاح برامج الاعتماد على الذات. يمكن أن تؤثر التخفيضات في التمويل والتغييرات في سياسات المساعدات سلباً على الموارد والدعم المتاح للنازحين. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤثر الصحة النفسية والصدمات التي يعاني منها النازحون على قدرتهم على المشاركة في برامج الاعتماد على الذات. يمكن أن تؤثر الصدمات النفسية المرتبطة بالحرب والضغوطات المرتبطة بالنزوح على الصحة النفسية للنازحين وتعيق قدرتهم على المشاركة في أنشطة كسب العيش. إن معالجة احتياجات الصحة النفسية للنازحين وتوفير الدعم النفسي يمكن أن يساهم في نجاح برامج الاعتماد على الذات[16].
· تحسين ظروف السكن:
تعد معالجة ظروف السكن غير الملائمة في مخيمات النازحين أمراً بالغ الأهمية لرفاهية الأفراد الذين يعيشون هناك. وينبغي إعطاء الأولوية للمبادرات والبرامج الرامية إلى توفير السكن الآمن والملائم. ويمكن أن يشمل ذلك بناء منازل دائمة، وتحسين مرافق الصرف الصحي، وضمان الوصول إلى المياه النظيفة. إن إشراك مجتمع النازحين في عملية صنع القرار وأيضاً إشراكهم في بناء وصيانة المخيم يمكن أن يمكّن الأفراد ويعزز الشعور بالاستقرار[8].
· النهج التعاوني:
يعد التعاون والتآزر بين الأفراد الذين يعيشون في مخيمات النزوح أمراً مهماً في مواجهة تحديات السكن وتعزيز الاعتماد على الذات. ومن خلال تبادل المعرفة والموارد والخبرات، يمكن للأفراد بشكل جماعي إيجاد حلول مبتكرة للقضايا المشتركة. إن إنشاء منصات للتعاون، مثل الاجتماعات أو المنتديات المجتمعية، يمكن أن يسهل تبادل الأفكار بينهم ويعزز الحل الجماعي للمشكلات داخل المخيم. إن تشجيع المبادرات التي يقودها المجتمع المحلي وإشراك المنظمات المحلية وأصحاب المصلحة يمكن أن يزيد من تعزيز فعالية النهج التعاوني داخل مخيمات النزوح.
التعاون بين النازحين السوريين: يتأثر التعاون بين النازحين السوريين في مخيمات النزوح بعوامل مختلفة. تلعب العلاقات الاجتماعية بين النازحين، وخاصة داخل الأسرة وخارجها، دوراً مهماً في تشكيل العلاقات. تظل الوحدة الأسرية قوية بين السوريين،
مما قد يحد من العلاقات الاجتماعية مع الغرباء أثناء النزوح. ومع ذلك، فإن النزوح يوفر فرصاً لتفكيك الأنظمة الاجتماعية الأكثر صرامة. وتؤكد الخطابات الإنسانية على أن النزوح يؤدي إلى خلل في البنية الأسرية. بالإضافة إلى ذلك، يتأثر مستوى التكيف الاجتماعي بين الأطفال في مخيمات النزوح بعوامل عدة مثل مدة الإقامة في المخيم والمستوى التعليمي للوالدين[17].
دراسة حالة: التغلب على التحديات النفسية والاجتماعية في مخيمات النازحين وبناء القدرة على الصمود.
قامت بدراسة هذه الحالة الدكتورة إليزابيث طومسون (Dr. Elizabeth Thompson) وهي طبيبة نفسية تتمتع بخبرة تزيد عن 20 عاماً في مجال الصدمات النفسية والنزوح. حصلت على درجة الدكتوراه في علم النفس العيادي من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، متخصصة في العواقب النفسية للعيش في مخيمات النزوح. وهي امرأة تبلغ من العمر 30 عاماً اضطرت إلى الفرار من بلدها الذي مزقته الحرب والبحث عن ملجأ في مخيم للنازحين. تسلط قصة سارة الضوء على التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد الذين يعيشون في مخيمات النزوح، وكيف تغلبت عليها من خلال تبنيها لفكرة الاعتماد على الذات في القدرة على التكيف في مواجهة التحديات، بالإضافة إلى بناء المرونة والدعم.
· التحديات النفسية والاجتماعية:
واجهت سارة تحديات نفسية كبيرة عند وصولها إلى مخيم النازحين. لقد شهدت العنف وفقدت أحباءها، مما أدى إلى إصابتها بالصدمة والشعور بعدم الأمان. كانت سارة تعاني من القلق والاكتئاب، وكثيراً ما كانت ظروفها تثقل كاهلها. علاوة على ذلك، شعرت بالعزلة الاجتماعية والوحدة، حيث لم يكن لديها عائلة أو أصدقاء في المخيم. وزاد تعرضها للتمييز من جانب بعض أفراد المجتمع من محنتها، مما جعل من الصعب عليها أن تثق بالآخرين.
· استراتيجيات الاعتماد على الذات في التكيف النفسي والاجتماعي:
أدركت سارة أهمية معالجة التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجهها لتحسين صحتها. وسعت للحصول على خدمات دعم الصحة النفسية التي تقدمها المنظمات الإنسانية في المخيم. ومن خلال جلسات الإرشاد الفردي والعلاج الجماعي، تعلمت استراتيجيات التكيف لإدارة القلق والاكتئاب. واكتشفت سارة أيضاً قوة ممارسات الرعاية الذاتية، مثل التأمل وتدوين اليوميات، للعثور على لحظات من السلام والتأمل وسط الفوضى التي تعيشها. ولمحاربة العزلة الاجتماعية، شاركت سارة بنشاط في الأنشطة المجتمعية وكونت علاقات مع زملائها المقيمين في المخيم. انضمت إلى مجموعة دعم نسائية حيث يمكنها مشاركة تجاربها وتلقي الدعم العاطفي. ومن خلال هذه الروابط، وجدت سارة شعوراً بالانتماء وبنت شبكة من الأشخاص الذين فهموا صعوباتها وجلدها وتعاطفوا معها.
· بناء المرونة:
أدركت سارة أن بناء المرونة أمر بالغ الأهمية في التكيف مع الحياة في المخيم. لقد مارست اليقظة الذهنية لتبقى حاضرة وتركز على اللحظة الحالية بدلاً من الخوض في الماضي أو القلق بشأن المستقبل. ساعدها تحديد أهداف صغيرة قابلة للتحقيق على استعادة الشعور بالسيطرة والهدف. طلبت المساعدة المهنية عند الحاجة، وهي مدركة أن التواصل للحصول على الدعم كان علامة قوة وليس ضعفاً.
· تجربة سارة:
توضح تجربة سارة التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد الذين يعيشون في مخيمات النزوح. ومن خلال قيامها بالاعتماد على الذات والمرونة والدعم والمشاركة النشطة في الشبكات المجتمعية، تمكنت من التغلب على هذه التحديات. تعتبر
قصة سارة بمثابة مصدر إلهام للآخرين في مواقف مماثلة، حيث تسلط الضوء على أهمية البحث عن الدعم وممارسة الرعاية الذاتية وبناء العلاقات من أجل القدرة على التكيف والازدهار في مخيمات النزوح.
ونختم بالقول …
أن العيش في مخيمات النزوح يمثل للنازحين العديد من التحديات النفسية والاجتماعية. ومع ذلك، من خلال التكيف والاعتماد على الذات وتحسين ظروف السكن، يمكن للأفراد التغلب على هذه التحديات وبناء حياة أكثر استدامة واستقراراً. يعد الاعتماد على الذات أمراً مهماً للنازحين داخل المخيمات، لأنه يتيح لهم استعادة السيطرة على حياتهم. ومع ذلك، فإن نجاح برامج الاعتماد على الذات يمكن أن يتأثر بعوامل مثل توافر الموارد والدعم، والسياق الاجتماعي، والصحة النفسية للنازحين. إن معالجة هذه العوامل أمر بالغ الأهمية لتعزيز الاعتماد على الذات وتحسين رفاهية النازحين في المخيمات. ومن خلال إعطاء الأولوية لدعم الصحة النفسية، وتطوير استراتيجيات الاعتماد على الذات في القدرة على التكيف، وبناء المرونة، وتعزيز الشبكات المجتمعية، يمكن للأفراد العثور على القوة والدعم في مواجهة الشدائد والازمات. ومن الأهمية بمكان أن تشارك المنظمات والأفراد بنشاط في المبادرات التي تعزز التكيف والاعتماد على الذات وتحسين ظروف السكن في مخيمات النازحين. ومن خلال العمل معاً، يمكن إنشاء مساحات تغذي رفاهية وكرامة جميع الأفراد المتضررين من النزوح. حيث يجد العديد من الأفراد النازحين أنفسهم غير قادرين على اكتساب مهارات جديدة أو تحسين المهارات الموجودة، مما يعيق قدرتهم على الاندماج في مجتمعات جديدة أو العثور على عمل. يؤدي هذا النقص في التدريب إلى تفاقم ظروف العيش الصعبة. علاوة على ذلك، فإن غياب برامج التدريب في المخيمات لا يحد من فرص التنمية الشخصية فحسب، بل يعزز عدم المساواة الاجتماعية. ويصبح أولئك الذين لا يستطيعون تلقي التدريب مهمشين داخل المخيم، لأنهم غير قادرين على المساهمة بشكل مفيد في المجتمع أو الوصول إلى خيارات سبل العيش البديلة. وبدون التدريب واكتساب مهارات جديدة، يقع الأفراد في فخ دائرة التبعية ويكافحون من أجل إعادة بناء حياتهم. ولذلك يجب الاهتمام بعناية بالرؤى القيمة حول العواقب النفسية والاجتماعية للعيش في مخيمات النزوح والاستراتيجيات العملية للأفراد والمجتمعات للتغلب على التحديات وتعزيز قدرة النازحين على الصمود. وإن فهم السياق التاريخي للنزوح في المنطقة أمر بالغ الأهمية لمعالجة التحديات التي يواجهها النازحون وتقديم المساعدة الفعالة لهم.