تقديم المساعدة النفسية الاسعافية الفورية وتعزيز الصحة النفسية خلال فترات الحرب والقتال
تحديات واستراتيجيات تعزيز الصحة النفسية والإسعافات الأولية النفسية الفورية أثناء فترة الحروب.
v دور المساعدة النفسية الفورية في التخفيف من آثار الحروب.
v التوعية واشراك المجتمع بالصحة النفسية الإسعافية وتقديم الإسعاف النفسي الفوري.
v التدخل ما بعد الصدمة الجماعية الفورية والمتوسطة المدى أثناء الحروب ومعالجة الحدث الصادم.
v بعد الحدث الصادم: كيف أستطيع أن أدعم شخصاً؟ كيف أقدم المساعدة؟ كيف أقدم دعماً عاطفياً؟
الباحثان: دجانة بارودي، محمد حميدي
المقدمة:
تحدث في العالم أنواع مختلفة من الأحداث المؤلمة، مثل الحروب والكوارث الطبيعية والحرائق والعنف المتبادل وغيرها بين الأفراد. يمكن أن تؤثر هذه الأحداث على الأفراد والأسر والمجتمعات بأكملها. وقد يفقد البعض منازلهم أو أقاربهم، أو يشهدون الموت أو العنف أو الدمار. ورغم أن مثل هذه الأحداث تؤثر على الجميع بطريقة أو بأخرى، إلا أن لكل شخص نقاط قوة وردود أفعال وعواطف يمكن أن تساعده على مواجهة تحديات الحياة، وهذه النقاط وردود الافعال تختلف من شخص لآخر. وقد يشعر الكثير من الناس بالارتباك والحيرة والخوف الشديد والقلق، أو بحالة من الانعزال حيال ما يحدث لهم. وبعض الأفراد يكونون أشد عرضة للتحديات وبشكل خاص أوقات الشدائد وقد يحتاجون إلى مساعدة إضافية، بما في ذلك الأشخاص المعرضين للخطر أو الذين يحتاجون إلى دعم إضافي بسبب أعمارهم، كالأطفال، وكبار السن، أو المصابين باضطرابات نفسية، أو الأشخاص الذين ينتمون إلى جماعات مستهدفة بالعنف ومهمشة. حيث تعد الصحة النفسية جانباً حيوياً من الرفاهية العامة، حتى في أوقات الحروب والأزمات والكوارث. ويمكن أن يكون للتجارب المؤلمة المرتبطة بالحروب آثار عميقة على الصحة النفسية للأفراد، مما يجعل من الضروري تعزيز الصحة النفسية وتقديم المساعدة النفسية الفورية خلال هذه الفترات الصعبة. وفي ظل تفشي الأوبئة والكوارث الطبيعية والحروب المأساوية، يزداد الاحتياج إلى دعم الصحة النفسية الفورية للأفراد والمجتمعات الذين يكافحون للتعامل مع هذه الظروف. فتقديم المساعدة النفسية الفورية يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط النفسي والمعنوي ويعزز القدرة على التكيف والشفاء. وعلاوة على ذلك، يعتبر الاهتمام بالصحة النفسية وتوفير الدعم النفسي الفوري ضرورة ملحة للحد من المشاكل النفسية المزمنة، والتعامل معها قبل أن تتفاقم وتؤثر سلباً على الحياة اليومية والعلاقات الشخصية وأداء الأفراد والمجتمعات بشكل عام[1]. ولا سيما أنه وبعد تطبيق الإجراءات التقليدية لضمان السلامة الجسدية، أصبح من الشائع أيضاً تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الفوري لضمان سلامة الصحة النفسية للأفراد[2]. ومن هذا المنطلق، وحريّ بنا التطرق في هذا المقال إلى أهمية تعزيز الصحة النفسية وتقديم الإسعافات الأولية النفسية الفورية في أوقات الحروب والأزمات والأحداث الصادمة.
تعريف الإسعافات الأولية النفسية الفورية
تعرف الإسعافات الأولية للصحة النفسية على أنها المساعدة المقدمة للشخص المتأذي أو الذي يعاني من مشكلة أو أزمة في الصحة النفسية، حيث يتم تقديم الإسعافات الأولية النفسية والمساعدة المهنية المناسبة للشخص حتى تنتهي الأزمة ويتم تجاوزها بعد الحدث الصادم[3]. وأھداف أي إسعاف أولي نفسي تشمل:
§ الحفاظ على الحیاة، لأنه یمكن للشخص أن یشكِّل خطراً على نفسه.
§ منع المزید من التأذي، وتقدیم المساعدة لمنع المشكلة النفسية من أن تصبح أكثر شدة.
§ تشجيع التعافي واستعادة الصحة النفسية.
§ إراحة المریض أو المتأذي.
وهي أيضاً عبارة عن مجموعة من المهارات التي يتم تطبيقها للحد من السلوكيات المؤلمة وغير القادرة على التكيف، والتي يمكن أن تؤثر سلباً على إعادة تأهيل الأشخاص من حدث صادم[4]. تشير الإسعافات الأولية النفسية الفورية إلى توفير الدعم والمساعدة الأساسيين للأفراد الذين يعانون من الصدمة أو الضيق نتيجة الحرب أو القتال. وتهدف إلى الحد من زيادة الضرر والاضطراب النفسي، وتعزيز السلامة، واستقرار العواطف، واستعادة آليات التكيف، وتسهيل الوصول إلى الرعاية النفسية المناسبة. وتكمن أهمية المساعدة النفسية الفورية في قدرتها على تخفيف أعراض الصدمة، ومنع الضرر النفسي على المدى المتوسط والبعيد، وتعزيز القدرة على الصمود بين الأشخاص المتضررين[1]. حيث تعتبر الإسعافات الأولية النفسية أمر بالغ الأهمية لضمان التعافي النفسي للأشخاص المتضررين من الكوارث والحروب. وفي الآونة الأخيرة، تم توسيع التعريف ليشمل المساعدة المقدمة لشخص يعاني من
تفاقم مشاكل في الصحة النفسية. حيث يميز هذا المفهوم بين المساعدة الأولية التي يقدمها الشخص العادي وبين أدوار الرعاية المستمرة والمساعدة المهنية المقدمة من قبل مختصين في مجال الصحة النفسية[5].
مفهوم الاسعاف النفسي
هو كل ما يقدمه المسعف النفسي أو القائم على تقديم الدعم والرعاية النفسية من تدخلات نفسية لتخفيف أثر الصدمة للناجين من الحروب والكوارث المروعة والأحداث الصادمة، بهدف التخفيف من الآثار النفسية للصدمات الناجمة عن تلك الأزمات. ويمكن تعريف الاسعاف النفسي، على أنه مجموعة من المهارات التي تساعد أفراد المجتمع على رعاية أنفسهم والآخرين من خلال توفير الدعم النفسي الاجتماعي الأساسي أثناء وبعد حدث خطير وطارئ. ويمكن القول إن الإسعافات الأولية النفسية هي طريقة لمساعدة الأشخاص عندما يكونوا في ضائقة، ومساعدتهم على الشعور بالهدوء والدعم في مواجهة تحدياتهم. حيث يعالج كلاً من الاحتياجات العاطفية والاجتماعية للأفراد، لتمكين الأشخاص من استخدام مواردهم الخاصة، وتعزيز المرونة لديهم. وتعتبر الإسعافات النفسية الأولية نهجاً يهدف إلى تقديم الدعم للأفراد في التعامل مع تجارب الكوارث والحروب والأحداث الصادمة. ويعتمد هذا النهج وبقوة على المبادئ الخمسة لـ Hobfoll. والتي تسعى إلى تعزيز مشاعر الأمان والهدوء والفاعلية الشخصية والاجتماعية وتعزيز وبث الأمل في نفوس الأفراد الذين تعرضوا لأحداث صادمة[6].
الفئات المستهدفة بالإسعاف النفسي أثناء الحروب والكوارث
يتم تقديم الإسعافات النفسية للأشخاص الذين تعرضوا لصدمات شديدة أثناء الحروب والكوارث والأحداث المؤلمة، ويتم توجيه الدعم والعناية النفسية والرعاية نحو فئات محددة، وفيما يلي نذكر الفئات التي يمكن أن تتلقى الإسعاف النفسي[7]–[9]:
§ الأشخاص الذين يتابعون الأحداث عن بُعد ويعانون من مشاعر العجز واليأس (الصدمة الثانوية): قد يشعرون بالعجز عن تقديم المساعدة الفعلية للأشخاص المتضررين ويحتاجون إلى دعم نفسي للتعامل مع هذه الأحاسيس.
§ الأشخاص الذين لديهم أقارب في المنطقة المتضررة أو منطقة الصدمة ويشعرون بالقلق والخوف من أجل سلامتهم: قد يشعرون بالقلق الشديد والخوف على سلامة أحبائهم ويحتاجون إلى دعم نفسي لتخفيف هذه الأعباء العاطفية.
§ الأشخاص الذين فقدوا أحد أفراد أسرتهم أو أحد أحبائهم ويعانون من مشاعر الحزن والألم: قد يعانون من آثار الفقدان والحزن العميق ويحتاجون إلى دعم نفسي للتأقلم مع هذه الخسارة.
§ الأشخاص الذين عاشوا ظروفاً قاسية وتعرضوا للإجهاد الشديد والشعور بالعجز وقلة الحيلة: يمكن أن تؤدي التجارب الصعبة والضغوط النفسية المفرطة إلى تأثيرات نفسية سلبية، وبالتالي فإنهم يحتاجون إلى دعم نفسي للتعافي.
§ الأشخاص الذين شهدوا مشاهد مؤلمة وصادمة أو تعرضوا لصور محزنة ومرهقة تركت آثاراً عاطفية عميقة لديهم.
§ الأشخاص الذين تعرضوا للإصابة الجسدية ويحتاجون إلى دعم نفسي للتعافي: قد يواجهون صعوبات نفسية وعاطفية أثناء التعافي ويحتاجون إلى دعم نفسي للتأقلم مع الإصابة.
مهارات الإسعافات الأولية النفسية
تتضمن مهارات الإسعافات الأولية النفسية على معرفة كيفية تقييم الموقف والأنماط الشائعة لردود الفعل في أوقات الأزمات، إلى جانب القدرة على التعامل بأمان مع الأشخاص المتأثرين والمنكوبين. كما يتطلب الأمر القدرة على البقاء بحالة هدوء والتحكم في العواطف الغامرة عند الحاجة وفي اللحظات الصعبة. ويعد التدخل الفوري والمتوسط المدى في الصدمات الجماعية ذو أهمية كبيرة وأساسية، حيث يساهم في إعطاء الشعور بالأمان والاستقرار والأمل للأفراد المنكوبين[6]. وفي إطار الإسعافات الأولية النفسية، يتم
تقديم الراحة للأشخاص المتأثرين بالحدث الصادم ومساعدتهم على الشعور بالأمان والهدوء. كما يتضمن ذلك تقييم الاحتياجات والمخاوف، وحماية الأفراد من المزيد من الأذى. حيث يتم أيضاً تقديم الدعم العاطفي والمساعدة في تلبية الاحتياجات الأساسية الفورية مثل الطعام، والماء، والاحتياجات الضرورية، والمأوى المؤقت، بالإضافة إلى توفير المساعدة في الوصول إلى المعلومات والخدمات والدعم الاجتماعي اللازم[10], [11].
تحديات تقديم الإسعافات الأولية النفسية الفورية أثناء الحروب
إن تعزيز الصحة النفسية وتقديم الإسعافات الأولية النفسية الفورية خلال فترة الحروب، يتطلب مواجهة والتعامل مع تحديات كبيرة فيما يتعلق بالصحة النفسية[12]. ويمكن أن تشمل هذه التحديات زيادة معدلات الإجهاد والقلق والاكتئاب لدى الأفراد المتأثرين بالأحداث الصادمة، وتدهور الحالة النفسية العامة للمجتمعات المتضررة والمنكوبة. ومن أجل التغلب على هذه التحديات، يتعين توفير الإسعافات النفسية الفورية والتركيز على تحسين الصحة النفسية العامة. حيث يجب توجيه الجهود نحو تقديم الدعم العاطفي والاجتماعي والإسعاف النفسي الفوري للأفراد المتأثرين والمتضررين وتعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية في المجتمع[7].
وكما أسلفنا فإن تقديم الإسعافات الأولية النفسية الفورية خلال فترات الحرب، يواجه العديد من التحديات على مستوى الفرد والمجتمع ونظام الرعاية الصحية. وغالباً ما يؤدي الدمار الناجم عن الحروب إلى تعطيل البنية التحتية للرعاية الصحية بشكل عام، مما يؤدي إلى محدودية الوصول إلى خدمات الصحة النفسية للأفراد المتضررين. بالإضافة إلى ذلك، قد تعيق الحواجز الثقافية والمجتمعية الاستفادة من مثل هذه التدخلات بسبب وصمة العار المحيطة بالمرض النفسي في بعض المجتمعات. وعلاوة على ذلك، قد تحد القيود المفروضة على الموارد من توافر المهنيين والمدربين القادرين على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي في الوقت المناسب.
ويمكن القول إن لهذه التحديات آثار خطيرة على نتائج الصحة النفسية أثناء الحروب، حيث أن الصدمات غير المعالجة يمكن أن تؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، واضطرابات القلق بين الناجين والمتضررين، والتي يمكن أن تستمر لفترة طويلة بعد توقف الحرب[1]. وبسبب قلة الدراسات في هذا الجانب، تشير الأبحاث إلى التركيز على المبادئ التوجيهية القائمة على الأدلة في توفير الإسعافات الأولية الفعالة للصحة النفسية، والحاجة إلى استراتيجيات بحث وتنفيذ مستمرة لضمان استخدامها وتأثيرها على نطاق واسع في المجتمعات التي تتعرض للحروب والكوارث[13].
استراتيجيات تعزيز الصحة النفسية أثناء الحروب
تعتبر التوعية والمشاركة المجتمعية بالصحة النفسية الإسعافية أمراً بالغ الأهمية أثناء فترة الحروب والازمات. حيث يجب توفير المعلومات الصحيحة والدقيقة حول الصحة النفسية وتبني مبادرات التشجيع على الحوار والتواصل الصحيح حول المشاكل النفسية والعاطفية. ويمكن تحقيق هذا من خلال حملات التوعوية والبرامج التعليمية والتواصل الاجتماعي، وتوفير الموارد اللازمة للإسعاف النفسي الفوري أثناء وقوع الأحداث الصادمة[14]. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه تقديم الإسعافات الأولية النفسية الفورية أثناء حالات الحرب والأزمات، إلا أنه توجد هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها بفعالية كبيرة، نذكر منها:
1. التدخلات المجتمعية: إن إشراك المجتمعات المحلية وتشجيع المشاركة المجتمعية من خلال المبادرات الشعبية يعزز التكامل الاجتماعي ويسهم في تعزيز المساعدة الذاتية، حيث يمكن للأفراد في المجتمع أن يوفروا الدعم العاطفي لبعضهم البعض، مما يخلق شعوراً بالتكاتف والمرونة. وإن هذا النهج يساعد الأفراد على التعامل مع التأثيرات النفسية الفورية للحرب والتغلب عليها بشكل أفضل.
2. حملات التوعية: يعد رفع مستوى الوعي حول قضايا الصحة النفسية أثناء الحروب أمراً بالغ الأهمية في الحد من الوصمة وتشجيع سلوك طلب المساعدة. ويمكن أن يؤدي استخدام منصات الوسائط المتعددة، بما في ذلك التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى جمهور أوسع وتثقيفهم حول الموارد المتاحة.
3. برامج التعليم: إن تنفيذ البرامج التعليمية التي تركز على محو الأمية في مجال الصحة النفسية، يزود الأفراد بالمعرفة اللازمة للتعرف على علامات الضيق داخل أنفسهم أو لدى الآخرين. كما أنه يعلم استراتيجيات المواجهة ويوفر معلومات حول مكان طلب المساعدة النفسية الفورية. حيث تلعب هذه الاستراتيجيات دوراً هاماً في تعزيز الصحة النفسية أثناء وقوع النزاع والحرب من خلال تمكين الأفراد من اتخاذ خطوات استباقية نحو تعافيهم[15], [16].
4. التدريب المستمر: يعد التدريب على الإسعافات الأولية النفسية أمراً مهماً لضمان توافر الأفراد القادرين على تقديم التدخل والدعم النفسي اللازم في حالة وقوع الحروب والكوارث. علاوة على ذلك، يضمن تدريب الإسعافات الأولية النفسية استعداد المجتمع لمواجهة حالات الطوارئ المحتملة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تجارب مؤلمة وتأثيرات شديدة في غياب التدخل النفسي في الوقت المناسب. حيث يمكن أن تترك الكارثة عواقب نفسية لعدد أكبر من الأشخاص مقارنة بعدد الأشخاص الذين يعانون من إصابات جسدية مختلفة.
ومن خلال التدريب، سيتم تزويد المجتمع، بما في ذلك العاملين في مجال الصحة النفسية، بالمهارات الحيوية اللازمة للتدخل في تخفيف الصدمات النفسية بين الناجين من الكوارث. حيث تعتبر المهارات المكتسبة من خلال عملية التدريب أساسية في تعزيز مبادئ وممارسات الصحة النفسية في حالات الطوارئ[17], [18].
دور المساعدة النفسية الفورية في التخفيف من آثار الحرب
يتمثل دور المساعدة النفسية الفورية في تقديم الدعم العاطفي والنفسي للأفراد المتأثرين بالحروب. حيث يتضمن ذلك توفير الاستماع الفعال والتعاطف وفهم المخاوف والاحتياجات للأفراد المتضررين، مما يساعدهم على الاتصال بالمساعدة المناسبة وتقديم الموارد اللازمة. حيث يجب التعامل مع الأفراد المتضررين بكل حرص وهدوء وبطريقة مناسبة، ويؤثر السلوك والموقف المتبع على استجابة الأفراد لعروض المساعدة المقدمة لهم[7]. ولا بد من الإشارة إلى أن المساعدة النفسية الفورية تلعب دوراً محورياً في التخفيف من تأثير الحروب على الصحة النفسية للأفراد. يتم استخدام تقنيات المساعدة النفسية الفورية من قبل العديد من المنظمات لمساعدة الأفراد بعد تعرضهم لحدث صادم. ويتم ذلك من خلال توفير الدعم الذي يعزز التماسك الاجتماعي، ويساعد في التعامل بشكل أكثر فعالية مع التحديات النفسية[19]. وأثبتت العديد من دراسات الحالة، أن تنفيذ لإسعافات الأولية النفسية الفورية خلال فترات الحرب كان ناجحاً. على سبيل المثال، قام برنامج العمل المعني بسد فجوة الصحة النفسية (MH GAP)، الذي تنفذه منظمة الصحة العالمية بتدريب المتخصصين في الرعاية الأولية من البيئات منخفضة الموارد على توفير الدعم النفسي والاجتماعي الأساسي للمتضررين من الصراعات والحروب. حيث شهد هذا البرنامج نتائج إيجابية مع زيادة الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، مما أدى إلى تحسين الرفاهية العامة بين الأشخاص المتضررين والتخفيف من آثار الحرب عليهم. وكذلك، كانت منظمة أطباء بلا حدود في طليعة المنظمات التي تقدم الرعاية الصحية النفسية الفورية أثناء النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم. ومن خلال خبرتهم وعملهم بهذا المجال، أشاروا إلى أن المساعدة النفسية الفورية تخفف المعاناة وتعزز وتعجل الشفاء للأفراد والمجتمعات حتى في ظل ظروف الحرب والشدائد الكبيرة [15], [20]. بالإضافة إلى ذلك، تتقدم منظمة إدارة الكوارث (ARC) في تبني الإسعافات الأولية النفسية الفورية لمساعدة الناجين من الكوارث على التأقلم مع التجارب الصعبة التي مروا بها ومعالجة الضغط النفسي الناجم عنها، وتوفر التدخل الفوري والمتوسط في حالات الصدمة الجماعية[21]. يعد الإسعاف النفسي الأولي أحد الأدوات الحيوية في تقديم التدخلات النفسية لأولئك الذين مروا بتجربة حرب أو تعرضوا لها. حيث يسهم الإسعاف النفسي الأولي في تعزيز الشعور بالأمان والاستقرار للأفراد المتأثرين. ويتضمن أيضاً توفير الراحة، ومساعدة الناس على الشعور بالهدوء، وتقييم الاحتياجات والمخاوف، وحماية الأفراد
من المزيد من الضرر، وتقديم الدعم العاطفي، والمساعدة في تلبية الاحتياجات الأساسية الفورية مثل الطعام والماء والإيواء المؤقت، والوصول إلى المعلومات والخدمات والدعم الاجتماعي اللازم[20].
يمكن العمل على تحسين الحالة النفسية وتقديم الدعم النفسي الفوري أثناء الصدمات والكوارث والحروب، التي تعزز وتمكن الأفراد من التغلب على الصعوبات من خلال المفاهيم الأربعة التالية (أمل، يقين، عمل، دعم أقران)[22]–[24]:
1. الأمل: يشير إلى الإيمان بوجود فرصة للتحسن والشفاء من الصدمات، مما يعزز الاعتقاد بإمكانية الشفاء والتغلب على الظروف الصعبة.
2. اليقين: يشير إلى الاعتقاد الثابت والثقة بأن هناك حلاً أو إمكانية للتغلب على التحديات النفسية. ويلعب اليقين دوراً مهماً في تحفيز الأفراد على اتخاذ خطوات إيجابية لتحسين حالتهم النفسية.
3. العمل: في هذا السياق، العمل يرتبط باتخاذ الخطوات والإجراءات للتعامل مع الصدمة والاضطرابات النفسية. ويشجع على البدء بالخطوات الإيجابية والتفاعل مع الدعم النفسي المتاح لتحسين الوضع النفسي.
4. دعم الأقران: يشير إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي من قبل أشخاص يمرون بتجارب مماثلة أو يشاركون نفس الظروف. ويعتمد هذا النوع من الدعم على تبادل الخبرات والتجارب بين الأقران، ويمكن أن يكون مفيداً لتقديم دعم ملموس وفهم مشترك للتحديات النفسية.
أما الأشخاص الذين تأثروا بالأحداث الصادمة أو الكوارث. فقد أظهرت بعض التقنيات المستخدمة معهم مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات، نتائج جيدة في معالجة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة من خلال مساعدة الناجين والمتضررين على إعادة صياغة تجاربهم المؤلمة وتطوير طرق فعالة للتكيف لديهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخلات النفسية الاجتماعية مثل العلاج النفسي الجماعي يوفر الدعم العاطفي الذي تتزايد الحاجة إليه مع تشجيع الناجين من الأحداث الصادمة على تبادل الخبرات والتحقق من صحة مشاعرهم[20].
كيفية تقديم المساعدة العملية والدعم العاطفي
قد يتأثر بعض الأشخاص بالحدث الصادم مباشرة وبشكل كبير، وتظهر عليهم علامات الحاجة للمساعدة النفسية الفورية. بينما قد يكون لدى البعض الآخر رد فعل متأخر عن الصدمة. وهذا يعني أنه إذا كنت تساعد شخصاً تعرفه وتراه بانتظام كأحد أفراد عائلتك مثلاً، فربما تكون هناك حاجة لتقييم علامات الاضطراب والانزعاج لديه بشكل مستمر على طول الأسابيع القليلة القادمة بعد الحدث الصادم [25]. إن الدعم العاطفي والاجتماعي يمكن أن يلعبا دوراً كبيراً في مساعدة الأشخاص على التعافي بعد تجربة صادمة. ولقد تبين أن الأشخاص الذين يستجيبون للدعم عاطفي بعد حادث صادم، يتكيفون بشكل أفضل وأسرع من الأشخاص الذين لديهم ضعف استجابة في الدعم العاطفي. لذا، فإن ربط الناس بأحبائهم وتوفير الدعم العاطفي والاجتماعي لهم يعتبر جزءاً أساسياً من الإسعافات الأولية النفسية الفورية التي يجب اتباعها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
§ المساعدة في إبقاء العائلات مع بعضها، وعلى أن يبقى الأطفال مع أهلهم وأحبائهم.
§ مساعدة الأشخاص على الاتصال بالأصدقاء والأقارب للحصول على الدعم العاطفي والاجتماعي. والقيام بتأمين وسيلة تمكنهم من الاتصال بأحبائهم. وزيادة تفاعلهم في مجتمعهم المحلي.
§ المساعدة وتشجيع التعاون بين الأشخاص المتضررين والمتأثرين بالحدث الصادم لمساعدة بعضهم البعض.
§ تقديم الرعاية لكبار السن وتوجيه الأشخاص الذين ليس لديهم عائلات إلى أفراد آخرين في المجتمع المحلي لتقديم الدعم اللازم لهم.
تهدف جميع هذه الإجراءات إلى تعزيز الدعم الاجتماعي والعاطفي بين الأفراد المتأثرين بحدث صادم، وتعزيز قدرتهم على التكيف والتعافي بالسرعة الممكنة[26]–[28].
ما هي الأولويات في مساعدة الشخص بعد الحدث الصادم؟
يجب على الشخص الذي يقدم المساعدة القيام بضمان سلامته الشخصية أولاً، وقبل أن يقرر الاقتراب من الشخص المتضرر لتقديم المساعدة، يقوم فحص المخاطر الكامنة، مثل وجود نيران أو حطام، وعليه أن يكون حذراً من وجود أشخاص آخرين متضررين قد يصبحوا عدوانيين. وإذا كانت المساعدة مقدمة لشخصاً غريباً لا يعرفه، فيجب على مقدم المساعدة التعريف عن نفسه أولاً والشرح للمتضرر ما هو دوره. وينبغي أيضاً على المساعد التعرف على اسم الشخص المتضرر واستخدام اسمه عند التحدث إليه. ويجب على المساعد أن يبقى هادئاً لخلق بيئة آمنة، وقد يكون من الضروري نقل الشخص المتضرر إلى مكان أكثر أماناً أو إزالة أية مخاطر عنه. إذا كان الشخص قد تعرض لإصابات جسدية، يجب العناية بإصاباته وتقديم المساعدة الأولية له إذا توفرت الامكانية لذلك. ويجب طلب المساعدة الطبية إذا كان ذلك ضرورياً، حيث قد تكون لدى الشخص إصابات داخلية تظهر ببطء. إذا لم يظهر على الشخص علامات واضحة للإصابات الجسدية، فيجب متابعة العلامات التي تشير إلى تدهور حالته الجسدية أو النفسية. ومن المهم أيضاً تحديد احتياجات الشخص الفورية، مثل الحاجة إلى الطعام، والماء، والملابس. وإذا كان هناك شخص آخر بالقرب من موقع الحدث يستطيع تلبية تلك الاحتياجات بشكل أفضل، مثل رجال الشرطة على سبيل المثال، فيفضل طلب مساعدتهم فوراً. وبعد التأكد من الصحة الجسدية للمتضرر، يتم تقديم المساعدة والدعم النفسي اللازم له[25].
ما هي الأولويات إذا كنت أقدم المساعدة بعد حدث صادم جماعي؟
الحوادث الصادمة الجماعية هي تلك التي تؤثر على عدد كبير من الأشخاص بنفس الوقت، مثل الحوادث المرورية، والحرائق، والفيضانات، والحروب، وإطلاق النار الجماعي. في مثل هذه الحالات، هناك عدد من الخطوات التي يجب على مقدم المساعدة اتباعها: ينبغي معرفة الخدمات الإسعافية المتوفرة والمتاحة في مكان وقوع الحدث الصادم، واتباع تعليمات المهنيين والمختصين عند وجودهم. يجب أيضاً الاهتمام براحة وكرامة الشخص المتضرر من خلال تقديم غطاء له ليغطي به نفسه إذا كان في حاجة لذلك، وطلب من الفضوليين أو وسائل الإعلام أن يبتعدوا. يجب أن يكون مقدم المساعدة هادئاً وصبوراً ويجب عدم الاندفاع.[25].
وعند التعامل مع الحوادث الصادمة والمؤلمة، يجب الأخذ بعين الاعتبار الفئات الأكثر تعرضاً للمخاطر والتي تحتاج إلى دعم نفسي خاص في حالات الأزمات، وتشمل هذه الفئات[29]:
§ الأطفال والمراهقين.
§ الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية أو إعاقات: قد يواجه الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية أو إعاقات موجودة مسبقاً تحديات إضافية أثناء الأحداث الصادمة، وقد تتعرض صحتهم الجسدية والنفسية للخطر بشكل أكبر، مما يتطلب دعماً مخصصاً لتلبية احتياجاتهم.
§ الأشخاص المعرضين لخطر التمييز أو العنف.
كيف أتحدث مع شخص قد مر للتو بحدث صادم؟
عند التحدث مع شخص قد مرّ للتو بحدث صادم، من المهم جداً أن يتم إظهار اهتماماً حقيقياً به وسؤاله عن الطريقة التي يفضلها لتلقي المساعدة. ويجب التحدث معه بوضوح وتجنب المصطلحات المعقدة والاختصاصية، ينبغي أيضاً التواصل معه كشخص مساو للشخص الذي يقدم المساعدة بدلاً من التواصل معه على أنه خبير أو متفوق عليه. إذا بدا أن الشخص المتضرر غير قادر على فهم واستيعاب الكلام، فقد تكون هناك حاجة لإعادة الكلام عدة مرات. ويجب التنويه إلى أنه ليس من الضرورة أن يكون تقديم الدعم معقداً، فبعض الأشياء البسيطة كتمضية الوقت مع الشخص، أو تقديم كوب من الشاي أو الماء، أو مجرد التحدث عن الأمور
اليومية وتقديم الدعم العاطفي يمكن أن تكون مفيدة وكافية. ويجب أيضاً الأخذ بالحسبان أنه قد ينتج عن الحدث الصادم سلوكيات مختلفة للأشخاص المتأثرين، كالانسحاب عن الآخرين أو العصبية. فيجب ألا تُأخذ هذه السلوكيات بشكل شخصي، بل يجب التعامل مع المتضرر بكل ود. ويجب إدراك أن الأحداث الصادمة قد لا تثير مشاعر الألم والضيق بنفس القدر لدى جميع الأفراد. لذا، يجب عدم توجيه عبارات للمتضرر عندئذ كـ “كيف عليه أن يشعر” مثلاً. بدلاً من ذلك، يمكن أخباره أن كل شخص يتعامل مع الصدمة بسرعته الخاصة. ويجب معرفة وتفهم الاختلافات الثقافية والحضارية التي من الممكن أن تؤثر على الطريقة التي يستجيب بها البعض للحدث الصادم، على سبيل المثال، في بعض الثقافات، لا يعد إظهار الانفعالات أو الحزن أو العواطف على فقد الأعزاء بوجود الغرباء أمراً ملائماً ومناسباً[25].
هل علينا التحدث عما حصل؟ كيف أستطيع أن أدعم شخصاً معيناً في ذلك؟
من الضروري والمهم ألا يفرض على الشخص المتضرر أن يشارك قصته، لأن المساعد والداعم ليس معالجاً له. نبغي فقط تشجيع الشخص على التحدث عن ردود فعله ومشاعره إذا كان مستعداً وأراد هو القيام بذلك. إذا قرر الشخص التحدث، يجب عدم مقاطعته والتركيز على كلامه بدلاً من مشاركته الحديث عن المشاعر أو التجارب أو الآراء الخاصة للشخص المساعد. قد يحتاج الشخص للتحدث بشكل متكرر عن الصدمة فيجب الاستعداد لسماعه ولأكثر من مرة. من المهم تجنب قول أي شيء قد يستخف بمشاعر الشخص كـ (لا تبكي) أو (اهدأ)، أو أي شيء قد يستخف بما مر به كـ (عليك أن تكون سعيداً لبقائك على قيد الحياة). الشخص قد يعاني مما يسمى بـ (ذنب الناجي)، وهو الشعور بأنه من غير العادل أن الآخرين ماتوا أو تأذوا دون أن يصيبه ما أصابهم[25]. في النهاية، يتعين على الشخص المساعد أن يكون داعماً ومتفهماً ومهتماً بالشخص ومشاعره. حيث أن تقدم الدعم والمساعدة بروية واحترام يمكن أن يساعد الشخص في التعافي من تجربة الحدث الصادم بشكل أسرع.
كيف يمكنني أن أساعد الشخص على التكيف خلال الأسابيع أو الأشهر التالية بعد الحدث الصادم؟
إذا كانت المساعدة مقدمة لشخص غريب، فعادة من غير المتوقع أن يتم التواصل معه فيما بعد. ومع ذلك، إذا كانت المساعدة موجهة لشخص قريب مثل أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، يمكن مساعدته في التكيف خلال الأسابيع أو الأشهر التالية من خلال تشجيعه على مشاركة احتياجاته ورغباته بدلاً من الافتراض أن الآخرين يعلمون ما يحتاجه. ينبغي أيضاً تشجيعه على الاستفادة من مصادر الدعم الاجتماعي كالأحبة والأصدقاء في مثل هذه الفترة. ومن المهم أن يتم احترام حاجة الشخص للبقاء وحيداً أحياناً. يجب أن يتم تشجيعه على الاعتناء بنفسه ومنحه الوقت للراحة عند الشعور بالتعب، وأن يمارس الأنشطة التي تفيده وتساهم في تحسين حالته، مثل الاستحمام، والقراءة، وممارسة الرياضة، ومشاهدة التلفاز. يجب أيضاً تشجيع الشخص على التفكير في الاستراتيجيات التي استخدمها بنجاح في الماضي للتكيف مع الصدمة، واستخدامها من جديد إذا كان ذلك مناسباً. ويمكن أن يساعده التوجيه لقضاء وقته في مكان يشعر فيه بالراحة والأمان. قد يتذكر الشخص المتضرر فجأة وبشكل غير متوقع تفاصيل الحادث، ويمكن أن يكون لديه الرغبة أو عدم الرغبة في مناقشة تلك التفاصيل. [25].
متى يجب على الشخص البحث عن المساعدة المهنية (المتخصصة)؟
ليس كل الأفراد بحاجة إلى الدعم المهني للتعافي من تجربة الصدمة. أظهرت الأبحاث أن محاولة تقديم الدعم النفسي لجميع الأشخاص خلال الثلاثة أشهر التالية للتجربة الصادمة لا يكون بالضرورة مفيداً، وقد يكون له تأثير سلبي على بعض الأشخاص. بينما إذا أراد الشخص المتضرر البحث عن المساعدة المهنية فيجب دعمه في القيام بذلك. يجب أن يكون الأشخاص على دراية بأنواع المساعدة المهنية المتاحة في المنطقة التي يقيمون فيها. إذا لم يشعر الشخص بالراحة تجاه من يقدم له المساعدة المهنية،
فيجب اخباره بأنه بالإمكان طلب أو البحث عن مهني آخر. ينبغي تشجيع الشخص على أن يبحث عن المساعدة المهنية بعد أربعة أسابيع أو أكثر من الصدمة في الحالات التالية:
§ إذا كان غير قادر على التخلص من المشاعر المزعجة المستمرة.
§ إذا كانت علاقاته المهمة تتدهور كنتيجة للحدث الصادم، مثل انسحابه عن عائلته أو أصدقائه.
§ إذا كان يشعر بأنه سريع الاستثارة أو لديه كوابيس متعلقة بالصدمة.
§ إذا كان لا يستطيع التوقف عن التفكير بالصدمة.
§ إذا كان غير قادر على الاستمتاع بالحياة على الإطلاق كنتيجة للحدث الصادم[25].
الأحداث الصادمة الجماعية واضطراب ما بعد الصدمة
يمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة بعد تجربة شخص ما لحدث صادم، مثل الاعتداء الجسدي، والعنف الأسري، أو مشاهدة أحداث مروعة. بينما الأحداث الصادمة الجماعية تشمل الهجمات الإرهابية، وإطلاق النار الجماعي، والحروب، والكوارث الطبيعية مثل الزلازل. ويعتقد أن 15٪ من الأفراد الذين تعرضوا لصدمة شديدة، قد يتطور الأمر معهم ويعانون من اضطراب ما بعد الصدمة خلال حياتهم، وتشير الأبحاث أن الإناث أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب. حيث تتميز الاضطرابات ما بعد الصدمة بأعراض أساسية تتضمن (ذكريات راجعة، التجنب، سرعة الاستثارة)[30]–[32]:
§ ذكريات راجعة: تعبّر عن تكرار ذكريات الحدث الصادم في ذهن الشخص المتأثر. وتؤدي هذه الذكريات إلى إحساس الفرد بالقلق، والخوف الشديد، والعجز، والرعب. وإعادة تجربة الحدث الصادم نفسياً. ويمكن أن يتجلى ذلك من خلال أحلام متكررة حول الحدث، صور ذهنية واضحة لتفاصيل معينة من الحدث، أو شعور بالاضطراب عند مواجهة مواقف تذكره بالحدث الصادم.
§ سلوك التجنب المستمر: يتضمن تجنب وتحاشي الأفراد المتأثرين لمواقف أو أماكن أو أشخاص قد تذكرهم بالصدمة. يمكن أن يشمل تجنب الحديث عن الصدمة، والابتعاد عن الأماكن التي ترتبط بالحادث، والانعزال الاجتماعي. والفتور العاطفي (Emotional Numbing) الذي قد يستمر لفترات طويلة، وانعدام الاهتمام بالعالم الخارجي والآخرين. يمكن أن تتضمن الأعراض المستمرة لازدياد المعاناة والألم النفسي وزيادة وتيرة الغضب ومشكلات النوم والأرق. حيث تعتبر المعاناة والكرب الشديدين هما رد فعل طبيعي للأشخاص بعد تجربة حدث صادم.
§ سرعة الاستثارة: تشير إلى استجابة مكثفة ومفاجئة من الشخص المتأثر عند تذكيره بالحدث الصادم. ويشمل ذلك زيادة في معدل ضربات القلب، وزيادة في التنفس، وشعور بالرعب أو الهلع، وذلك عند تذكير الفرد بالأحداث المؤلمة التي عاشها ومر بها.
هذه الأعراض تعكس التأثير النفسي العميق للأحداث الصادمة على الأفراد وتساعد على توضيح كيف يمكن أن تؤثر الصدمات على صحة النفس والتواصل اليومي للأفراد. وننوه إلى أن البعض فقط ممن عانوا من اضطراب الاجهاد الحاد (acute stress disorder)، سينتهي بهم الأمر إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب. يجب التنويه أيضاً إلى أن اضطراب ما بعد الصدمة يكون أكثر انتشاراً بين الأشخاص الذين يتعرضون للحدث الصادم إذا كانت استجابتهم للحدث تتضمن مزيجاً من العجز والرعب والخوف[25]. إن التعامل مع الحدث الصادم والصدمة الجماعية الفورية والمتوسطة المدى يتطلب التدخل الفوري لمعالجة الصدمة الجماعية التي تحدث أثناء الحروب. يشمل ذلك توفير الدعم النفسي والعاطفي للأفراد والمجتمعات المتضررة، وتقديم الإرشادات والمساعدة في معالجة الأحداث الصادمة والتأقلم معها. ومن المهم أن يتم توفير تدريب للمتخصصين والمتطوعين في رعاية الصحة النفسية الفورية والطارئة وتأسيس عيادات وتطوير الخدمات النفسية متوسطة وبعيدة المدى للمتضررين من الأحداث الصادمة. ويجب أيضاً الاستثمار المستمر في الخدمات الصحية النفسية لضمان توافرها لجميع المحتاجين والمتضررين، حيث تعتبر الصحة النفسية حقاً إنسانياً عالمياً وفي أحنك الظروف.
في الختام …
يجب التأكيد على أهمية تعزيز الصحة النفسية وتقديم المساعدة النفسية الفورية في أوقات الحروب. ولا ينبغي للتحديات التي تواجه تقديم مثل هذه المساعدة أن تعيق الجهود المبذولة لإعطاء الأولوية للصحة النفسية الفورية للأفراد والمجتمعات المتضررة. يمكن ذلك من خلال استخدام استراتيجيات تعزز القدرة على التحمل وزيادة الوعي بالصحة النفسية، وباستخدام التدخلات القائمة على الأدلة. يمكننا من خلال هذه الجهود التقليل من الآثار السلبية متوسطة وطويلة المدى للحروب على نتائج الصحة النفسية. ومن الأهمية بمكان أن تكون المجتمعات واعية ومثقفة ومستعدة لتقديم الدعم للمتضررين من الحروب والصراعات وهم يسعون نحو التعافي وإعادة بناء حياتهم.
حيث تظهر الإسعافات النفسية الفورية والطارئة أهمية كبيرة في تقديم الدعم والمساعدة للأشخاص الذين يتعرضون لأحداث صادمة. وتساهم هذه الإجراءات في تقديم الرعاية النفسية اللازمة وتعزيز التكيف النفسي، مما يساعد في الحد من الضرر النفسي وتعزيز قدرتهم على التعافي. ويعتبر الدعم النفسي الفوري والتدخل السريع من الأمور الحاسمة في تقديم العون للأشخاص الذين يمرون بمواقف صعبة وصادمة. وعلى مر الزمن، تظهر النتائج الإيجابية للعمل الذي يتم في هذا السياق من خلال تعزيز القدرة على التكيف والتعافي النفسي. لذلك، ومن خلال توجيه الجهود نحو تقديم الدعم النفسي وتوجيه الإمكانيات لمن يحتاجون إليها، يمكننا بناء مجتمعات أقوى وأكثر تكيفاً وتضامناً في وجه التحديات الصعبة. إذ تساهم هذه الإسعافات في تقييم الاحتياجات والمخاوف، وحماية الأفراد من المزيد من الضرر، وتقديم الدعم العاطفي بالإضافة إلى الوصول إلى المعلومات الضرورية والخدمات والدعم الاجتماعي. يجب أيضاً العمل على تعزيز المشاركة المجتمعية، حيث تسهم في تعزيز التكامل الاجتماعي وخلق شعور بالتضامن والصمود، مما يساعد الأفراد على التكيف والتغلب على الآثار النفسية للحرب. ومن المهم أيضاً زيادة الوعي حول قضايا الصحة النفسية خلال الحرب، بهدف تشجيع البحث عن المساعدة. حيث أظهرت العديد من الدراسات أن التدريب على الإسعاف النفسي الأولي يؤدي إلى زیادة المعرفة والمعلومات حول المشاكل النفسية، وإلى مواقف وأحكام أفضل تجاه من یعانون من تلك المشاكل وإلى تحسن المساعدة المقدمة لھم.