اللحظات الأولى كانت رهيبة، استيقظت على اهتزاز وصوت مرعب، تمسكت بأطفالي وعائلتي الذين التفوا حولي، بدأ يزيد الاهتزاز والصوت يصبح أقوى، ضممت عائلتي بقوة وشعرت أنها النهاية، مرت لحظات كأنها ساعات، إلى أن هدأت وخيم هدوء مخيف.
لم يدرك الناشط الصحفي “محمد خضير ” الذي بدأ حديثه بتلك الكلمات، حجم الكارثة في اللحظات الأولى، وأن ذلك لم يكن صباحاً عادياً، فقد استيقظ الناس على كابوس مرعب، الكثير من الأطفال والنساء والرجال وجدوا أنفسهم فجأة بين الركام، نتيجة الزلزال المرعب الذي ضرب مناطق شمال سوريا وجنوب تركيا في السادس من شباط، قرابة الساعة الرابعة والنصف صباحاً.
تمالك “خضير” أنفاسه مع عائلته والتقط هاتفه وبدأ بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي “صعقت من هول ما رأيت، دمار ونداءات استغاثة وصراخ بدأ يعلو في كل مكان، تركت زوجتي وأطفالي بمنزل آمن فلا يمكن تركهم خارجاً تحت المطر وصقيع الشتاء، وتوجهت مسرعاً إلى قرية الرمادية المجاورة لمدينة دركوش، وإذ بحجم الكارثة الكبير، صراخ وغبار يخنق المكان”.
بدأ منذ أول لحظة توثيق كل شي وتصويره وإرساله لفرق الإنقاذ والمنظمات الإنسانية، أحياناً كان يقف عن التصوير ويضع كمرته جانباً محاولاً الإنقاذ، فلم يتمكن من الاكتفاء بالتصور مع أصوات الاستغاثة المسموعة بين الركام، وبين ذلك كله، علت أصوات قريبة تنادي بأن هناك عشرات المنازل ببلدة عزمارين ” بلدة شمال مدينة دركوش” تهدمت، والكثير من العائلات تحت الأنقاض وبحاجة لمساعدة عاجلة، فترك “محمد” المكان فوراً بعد ان أرسل لفرق الإنقاذ والمنظمات صوراً وتفاصيل مكانه الحالي، وانتقل لعزمارين فهناك الحاجة أكبر ولا أحد يعرف بها سوى مجموعات صغيرة بمحيط المكان.
” وصلت عزمارين.. انتابني شعور رهيب وشعرت بالعجز والخوف، لم أستطع تمالك نفسي وإيقاف الدموع، رائحة الموت في كل مكان، هلع ودمار وصراخ، نساء تحفر بأيديها وتبحث عن أطفالها، مشهد مريع، مسحت دموعي فالناس هنا لا تريد مشاعر الآن ولن تفيدهم، ما يحتاجه الناس الآن مني هو العمل.. العمل وايصال صوتهم لفرق الإنقاذ وكل من يستطيع المساعدة، وبدأن بالمساعدة وتوثيق كل ما يحدث ونقل الاحتياجات ومراسلة فرق الإنقاذ والمنظمات الإنسانية”
من الساعة الخامسة صباحاً وخضير على تواصل مستمر مع كل الجهات التي يمكن أن تساهم بالإنقاذ والمساعدة، يرسل الصور والفيديوهات ويناشد جميع الجهات، منهم من لبى النداء واتجه مسرعاً ليقدم ما يستطيع، ومنهم من شارك هذه الصور والفيديوهات لتصل لكل المتابعين والمهتمين ليشاركوا بتخفيف آثار هذه الكارثة المريعة.
الجميع منشغل بالأيدي وبمعدات بسيطة وبآلات غير مخصصة للبحث، يحاولون الوصول لمصدر الأصوات وإنقاذ أحبابهم، لكن سرعات ما أتت هزة ارتدادية قوية في الساعة الوحدة والنصف تقريباً، ” هنا تمالكني خوف شديد، عائلتي وأطفالي مازالوا في المنزل، تركت كل شيء وهرعت مسرعاً للبيت، كاد قلبي ينقطع قبل أن أصل أليهم، والحمد لله وجدهم بخير لكن الخوف مسيطر عليهم، طمأنتهم وودعتهم وعدت للعمل، فالعوائل التي تحت الأنقاض الآن هم أيضاً أطفالي وعائلتي ولن أتركهم وسأفعل ما استطيع لإنقاذهم.
نجح خضير بتسليط الضوء منذ البداية للكارثة التي وقت شمال سوريا بعد أن كانت مهمشة نوعاً ما، وساهم بإنقاذ العديد من الأشخاص ومساعدة المتضررين عبر ارساله الصور والتوثيقات ومناشدة المنظمات والجمعيات منذ اللحظة الأولى، حيث استجابة فرق الإنقاذ والعديد من المتطوعين، كما لبت المنظمات والجمعيات نداءاته وأنشأت مراكز الإيواء وقدمت المواد الغذائية والسلال وساندت فرق الإنقاذ، ومازال للآن يتابع عمله واصلاً الليل بالنهار، محاولاً بكل استطاعته تقديم المساعدة للناس وتخفيف آلامهم.
عاش خضير معاناة الناس من خلال تواجده معهم في الميدان، في برد الشتاء وحر الصيف، في المخيمات وعلى طرقات التهجير والنزوح، عاشها جميعها بكل تفاصيلها منذ اللحظة الأولى بعمله معنا ضمن فريق قسم الإعلام في جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية، حاول مع زملائه طوال الفترة السابقة نقل معاناة الناس والعمل على التخفيف من آلامهم بكل الوسائل الممكنة، وذلك بالتنسيق مع جميع الأقسام الأخرى والتي تساهم وتبذل كل طاقاتها وامكانياتها للتخفيف عن العوائل المتضررة والحد من معاناتهم.