مع خيوط الفجر الأولى، يستيقظ ” أبو محمد” صباح كل يوم، يحضر زاده ويعقد شماخه على جبينه، ويجمع متاعه وكل ما يلزم من أدوات الحراثة على دابته متوجها لحراثة الأراضي.
رائحة الأرض الزكية في طريقه مع نسمات الصباح وخيوط الشمس الأولى، التي تداعب الحشائش المتشابكة والأشجار المتدلية، وتعكس زهو ألوانها، تبشر بموسم جيد ووافر من المحصول والعمل، فهذا وقت الحراثة لإزالة الأعشاب الضارة من حول الخضار والأشجار، لتتنفس التربة وينمو المحصول والأشجار بشكل جيد.
يقول أبو محمد بقناعة ورضا رغم مشقة عمله أثناء فلاحة الأراضي بالمحراث القديم أو” الفدان” كما هو معروف في الريف السوري “ما يميز الحراثة باستعمال الدواب عن الحراثة باستعمال الجرارات أنها أقل تكلفة للمزارع كما أنها أكثر فائدة للأرض وتصل لكل جزء فيها، كما أنها تذكرنا أيضاً بماضٍ بدأ يتلاشى وحكايات نحِنُّ إليها على الدوام”
يفضل الأجداد وكبار السن الفلاحة بالفدان على الجرار والآلات الحديثة، لاسيما بين أشجار الكرز ومختلف أشجار الفواكه والزيتون، كونه “حنوناً” كما يقولون، فهو لا يقتلع الجذور ويتصف بالمرونة، يدخل بين الخطوط المستقيمة المتوزعة بين المزروعات الصيفية والشتوية بسلاسة ومرونة، ما يسمح بالتخلص من الأعشاب الضارة ويسهم في تهوية التربة، ويمنحها طراوة ونعومة ليكون هنالك محصولاً وفيراً، بينما لا يمكن ذلك بالمحراث الآلي لكبر حجمه، فيكون سبباً بتخريب المحصول والتربة وتكتلها.
يجد أبو محمد الحراثة “بالفدان” وسيلة لكسب قوته وعائلته، فبين ارتفاع أجور الجرارات وقلة وصعوبة العيش وقلة المواسم للفلاحين، يجد المزارعون دائما البدائل حتى وإن كانت النتيجة هي العودة للاعتماد على الجهد العضلي والتراث القديم، وإحياء ما توارثوه عن الأجداد.