تضع حقيبتها على ظهرها، والفرحة تغمر وجهها، تمسك بيد معلمتها بلهفة في طريقها إلى بيتها الثاني.. إلى تحقيق حلمها بعيداً عن مرارة العيش وعزلة النزوح الذي عاشته.
لم يكن هذا حال الطفلة ليلاس عندما شاء القدر أن نلتقي بها في شوارع بلد فقدت فيه الكثير من العائلات معيلها، وبات قسم كبير منها بلا مأوى يفتقر إلى ابسط مقومات الحياة، في بلد يغادر كل يوم من مدارسه طفل عن مقاعد الدراسة باحثاً عن عمل ليعيل أسرته اليتيمة.
ولدت ليلاس تحت أصوات القصف، وفقدت والدها وهي صغرة بإحدى تلك القذائف، هربت من الموت بحثاً عن ملاذ آمن، تركت مدرستها وذاقت مرارة العيش، وابتعدت عن الكثير من صديقاتها إلى أن انتهى المطاف بها في عزلة وحالة نفسية أبعدها عن كل مباهج الحياة.
عاشت الطفلة اليتيمة حياة مليئة بالألم والمعاناة، جرفتها أمواج النزوح والتهجير إلى عوالم جديدة غريبة عن موطنها، فضاقت عليها الحياة وكثرت مصاعبها، لكنها لم تقطع الأمل.
لم تكن المعلمة “شذى” – وهي إحدى المدرسات في مركز السلام التعليمي للأيتام في جمعية عطاء- بعيدة عنها، فقد التقت بالطفلة وهي في حالة نفسية معقدة، جلست وتحدثت معها مطولاً، ثم اصطحبتها إلى مركز السلام التعليمي وعرفت بها بعض الطالبات والكادر التعليمي.
بدأت ليلاس رحلة جديدة في حياتها الاجتماعية والدراسية، بوجود عائلة جديدة من الأصدقاء والمعلمات في الكادر التدريسي وفي مقدمتهم الآنسة شذى والتي كانت بمثابة الأم والأب لها، فقامت بتعليمها والاهتمام بأدق التفاصيل لديها بحنان ومتابعة جعلها متعلقة وشغوفة جداً بالمركز والدراسة.
بين دروسها وفعاليات المركز واهتمام الكادر التعليمي وأصدقائها الجدد، بدأت ليلاس تستعيد ثقتها بالنفس وتشعر بأنها جزء من عائلة جديدة. كانت الآنسة شذى ليست معلمة فقط بل أمًا ورفيقة ليلاس في رحلتها. وبفضل الحب والرعاية، أصبح ليلاس تحمل حلماً جديدًا، حيث بدأت تشعر بأن الحياة قادرة على تقديم فرص جديدة حتى بعد الألم والفقدان.
ليلاس اليوم طالبة مجدة في دروسها، تتطور ويتحسن حالها يوماً بعد يوم، تستيقظ كل يوم فتحمل حقيبتها متجهة إلى المدرسة مع معلمتها، تشارك وتحفظ وتكتب دروسها بشغف لم يسبقها فيه أحد، متطلعة إلى مستقبل يحقق حلمها بحياة كريمة ومفيدة للمجتمع ومن حولها.
ليلاس إحدى الطالبات من بين 150 طفل يتيم يستهدفهم مركز السلام التعليمي والذي يقدم خدماته في التعليم المجاني للأطفال المنقطعين والمتسربين عن الدراسة ضمن برامج معتمدة، إضافة إلى برنامج الصحة النفسية وتوزيع القرطاسية والكتب والحقائب المدرسية، بهدف إلحاق الأطفال بالمدارس وإزالة جميع العقبات التي تحول دون تعليمهم.