تزداد معاناة المهجّرين السوريين في مخيمات شمال غربي سوريا عاماً بعد عام، ومع طول انتظارهم لحل ينهي مأساتهم ويعيدهم إلى منازلهم في مدنهم وقراهم، كان لا بد من إيجاد حلول لتحسين واقعهم المرير، لاسيما بعد شح المساعدات الإنسانية خلال الأعوام الأخيرة.
لم يدرك جمال الذي يبلغ من العمر 37 عاماً ويعاني من فقد البصر في الوهلة الأولى رهبة ما حدث، فقد تعرض منزله في معرة النعمان للقصف وخرج مسرعاً مع عائلته، لا يعرف أين الوجهة ولا يملك أي وسيلة نقل تخرجهم من الخطر، لم يدرك أن تلك ستكون آخر لحظة له بمدينته.
توجه جمال مع عائلته وأولاده الخمس إلى مدينة سراقب، لكن سرعان ما لاحقهم القصف، فانتقلوا إلى مكان ثاني وثالث..، في كل مرة يضيق بهم الحال أكثر وتزداد معاناتهم ويفقدون جزء مما تبقى لديهم، إلى أن انتهى بهم المطاف في مخيم السلوى بريف إدلب.
حل ضيفاً لدى أقاربه، ومن ثم انتقل إلى خيمة وفرها له أصحاب الخير لتكون مأوى له ولعائلته، غير أنها لا تتناسب مع وضعه لاسيما أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة وفاقد البصر، فلا يمكنه الاستناد لجدار وتحسس الأماكن أثناء سيره وخروجه.
عاش جمال أياماً مريرة، فالمخيم عشوائي في أرض وعرة، لا يوجد به طرقات أو أية بنى تحتية تخفف عنه ما هو فيه، فعند حاجته لأي شيء عليه أن يسير في الطرقات الموحلة شتاء والوعرة لمسافات طويلة يلبي احتياجاته الخاصة، ما كان سبباً بعدم التزام ولده الأكبر بالمدرسة والتعليم، فجمال يحتاج من يمسك بيده ويقود للمكان الذي يريده.
كل ذلك لم يفقد جمال الصبر ودائماً كان الأمل بالعودة لبلده حاضراً في ذهنه، ليبني ما دمره القصف ويكمل حياته مع عائلته، وسرعان ما بدأت أوضاعه المعيشية تتحسن، وذلك بعدما أنهت جمعية عطاء عدة مشاريع خدمية في المخيم، من أهمها تبحيص الطرقات وإنارة الشوارع وإنشاء الكتل الصحية.
يقول جمال: أصبحت أعتمد على نفسي في تلبية احتياجاتي ولم أعد أعاني من صعوبة التنقل في الطرقات الوعرة بعد أن تم تبحيصها، كما أنني أستطيع الذهاب بمفردي إلى الحمامات التي تم انشاءها بالقرب من خيمتي، مما ساهم بتغيير حياتنا في المخيم بشكل كلّي نحو الأفضل.
أصبح بإمكان الولد الأكبر لجمال متابعة تعليمه، وتحسنت أوضاعهم العامة بشكل ملحوظ إلّا أن العودة إلى الديار هي الحل الأفضل لإنهاء معاناتهم، فقد ختم جمال حديثه قائلا :”بتمنى تنتهي معاناتنا ونزوحنا ونرجع لبلادنا حتى نعيش بطرقة أفضل مع عيلتي ويرجعوا كل الناس المهجرين لبيوتهم ومدنهم وقراهم”